Sunday, May 4, 2008

التنظيم أم الاسلام

كان هذا رد الدكتور فتحي يكن على أحد الاخوه السائلين عن تعارض مصلحة التنظيم الدعوه ومصلحة الاسلام وأيهما أولى بالاتباع عند الاصطدام من موقع اسلام اون لاين
******
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وخدم الدين، وجاهد في سبيل الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، وبعد..
لكم عجبت لهذا السؤال الذي وصلني، وتلكم الإشكالية التي طرحت علي، ذلك أنه لا وجه للمقارنة بين أهمية العمل لمصلحة التنظيم وأهمية العمل للإسلام عند التعارض أو عدم التعارض.

إن انتماءنا للإسلام في الأصل هو الذي يجعلنا مسلمين، ويحشرنا في زمرتهم يوم الدين، والانتماء للتنظيم ليس بديلا عن ذلك، وإنما هو وسيلة لحسن تحقيق ذلك، وصدق الله تعالى حيث يقول: (هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس).

إن الأنبياء والمرسلين والعلماء والدعاة، كما المؤسسات والتنظيمات والجماعات والحركات الإسلامية، إنما هم مكلفون بخدمة الإسلام، وحمل رسالته، وتبليغ دعوته، والجهاد في سبيله كما يقول تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين).

ثم إن الحكم الإسلامي والحكومات الإسلامية والخلفاء، ليسوا إلا أداة لخدمة الإسلام وتنظيم الاحتكام إلى شرعه، وليس لهم أن يحيدوا عن الإسلام قيد أنملة: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).

إن الإسلام هو دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المنهج الذي يتعبد المسلمون به ربهم، أفرادا وتنظيمات وحكومات، أما التنظيمات وأهلها والعاملون فيها فهم خدام للدين، والمسخرون للعمل من أجله، وليسوا بمعصومين عن الخطأ والزلل، وجميعهم يؤخذ منه ويرد عليه، وهؤلاء كلهم يعرفون بالدين، ولا يعرف الدين بهم.

فالتنظيمات تخطئ وتصيب، وتنجح وتفشل، وهي تزدهر ثم تندثر، فلكم قامت تنظيمات عبر التاريخ الإسلامي ثم أصبحت أثرا بعد عين، أما الإسلام فهو الباقي والمستمر والمحفوظ، مصداقا لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
إن مجرد استهداف التنظيم بالعمل هو لون من ألوان الشرك، والله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك، وهو سبحانه القائل: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).
ولقد وعى مؤسسو الحركات والتنظيمات الإسلامية الراشدة تلك الحقيقة الثابتة، فنجد - على سبيل المثال - يوم أسس الأستاذ حسن البنا "جماعة الإخوان المسلمين" واختار لها شعاراتها، لم يجعل للتنظيم أدنى نصيب بينها، فقال: "الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

أذكر أنني - في الستينيات - ألقيت خطابا بمناسبة افتتاح مركز للعمل الإسلامي في مدينة صيدا، وكان في الحضور حشد من العلماء، قلت في مطلع الكلام: "هنالك قضية يجب أن ندركها تمام الإدراك، ونعيها تمام الوعي، ونذكرها دائما ولا ننساها، وبخاصة لدى افتتاحنا اليوم لمركز من مراكز العمل الإسلامي في لبنان، وهي أننا مسلمون قبل أن نكون "إخوانا مسلمين"، وأننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين..

فالإسلام قبلنا وبعدنا، وبنا وبدوننا، وإن نتولى يستبدل الله قوما غيرنا ولن نضره شيئا، وسيجزي الله الشاكرين، أوليس هو القائل في محكم كتابه: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين)".

إن التنظيم الذي يخلص عمله لله، بعيدا عن أية نفعية أو وصولية، هو التنظيم الذي لا يرى له مصلحة إلا مصلحة هذا الدين، ويرى في غير ذلك لونا من ألوان الشرك، ووقوعا فيما نهى الإسلام عنه وحذر منه، إن هذا التنظيم - إن وجد - هو الجدير بنصر الله وتأييده، وبإمامة المسلمين وقيادتهم.

في ضوء كل ذلك يكون المطلوب دائما وأبدا تجريد العمل للإسلام من كل لوثة وصولية، أو غرض فردي أو جماعي أو تنظيمي، انسجاما مع خلوص العبودية لله تعالى، الذي أكدته وأكدت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).

وبحسب هذه المعادلة يكون الولاء لله تعالى وحده، كما يكون شرط السمع والطاعة للقيادة: طاعتها له والتزامها شرعه، فالطاعة بالمعروف ولا طاعة بالمعصية، وفي الحديث: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وفي خطبة الولاية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم".
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته" رواه أبو داود بسند صحيح.
ووفق هذه القاعدة يصبح شرط الانتماء إلى التنظيم تحقيق الانتماء للإسلام والتزام مبادئه وقيمه، وحمل رسالته، وتبليغ دعوته، والاحتكام إليه، والجهاد في سبيله.
مع الإشارة والتأكيد على أن هذا المفهوم ليس مدعاة للتقليل من أهمية التنظيم، وإنما سيق للتمييز والتفريق بين الوسيلة والهدف، كما بين الخادم والمخدوم سواء بسواء، سائلا الله تعالى الهدى والسداد واتباع طريق الحق والرشاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

No comments: